أقف عند بقايا بيت جدي، تعصف الذكريات، أغوص في بئر الذكريات، لكن القنطرة المتبقية الصامدة تنتشلني من قعر البئر
أنظر باحترام وإعجاب إلى حجر الغالق الذي أبقى القنطرة واقفة كل هذه السنين
أعود طفلاً، أستمع لشرح قريبنا البنّاء الذي بنى البيت محدّقاً في تجاعيد وجهه وهو يعيد قصة بناء البيت الذي كان واسعاً بأربع قناطر، وتفاصيل العونة التي كانت، ويشرح فن البناء
عند بناء قناطر البيوت القديمة التي تحمل السقف، كانت تبنى القنطرة محمولة على دعائم وعند وضع الحجر الأخير الذي يغلق قوسها تسحب الدعائم وتبقى القنطرة ثابتة بتوازن من ثقل الحجر الأخير الذي يدعى الغالق، لأنه يغلق القوس، أو يغلق عملية بناء القنطرة
***
تتكئ على نفسها القنطرة
تحمي بقايا من بقايا الذكريات
تنادي حجر الغالق
كمقاتل شرسٍ ثابتٍ يحمي آخر الثغور
كربان سفينة تصارع الموج والرياح
تشدّ من أزره
كي يواصل رص الصفوف
تناشد القنطرة الأخيرة في بيت العز حارسها الأمين
ضامن وقفتها
سر الصمود
مصدر الأمان والطمأنينة
تمسّك جيداً يا أمل الحياة والدوام
تحَدَّ الرياح والمطر
امسح عن جبينك الشمالي عاديات الخراب
واحم ظهرك الجنوبي من ألاعيب المناخ
تناديه باسم الطيور التي عشّشت في طاقة باقية
باسم هديل الحمام
باسم كل تميمة متروكة في الشقوق غافية
باسم ذكريات تحتمي في الزوايا
وتنهيدة تغفو في حضن الحجارة الباقية
تقول
يا سند الذاكرة
ويا عمود خيمتنا الأخيرة
الق بكل قوة في حناياك
لتحمي إرثنا
لتبقي لنا نَفَساً في زمن الاختناق
فما أنت كأي حجر
لست مهملاً على الطريق
لست من سَقْط المتاع
فيا سند الباقين تمسك
ويا رجاء الخائفين من عاديات الزمان
من أجلنا تمسّك وانتصر
ويا صمام الأمان لنومنا الهادئ
لا تخيّب لنا الرجاء
يا رمز عزّنا
ويا رمز مجدنا الباقي
لا تخيّب لنا رجاء
لا تخيّب لنا رجاء