رغدة برانسي:
هل سينخرط الطفل بشكل سريع في هذه البيئة الجديدة؟ هل سيبكي؟ هل سيشعر بالخوف أو الخجل أو بالاشتياق؟
لا بُد وأن يتأكّد الأهل من فكرة أنّ المدرسة ليس إطارًا تعليميًّا فحسب أو مكانًا لتحقيق التحصيل العلمي فقط
حاولوا قدر الإمكان إغلاق دائرة الأمان داخل المنزل ليكون الطفل مُستعدًا لكُل ما هو خارجه بكل ثقة
سويعات تفصلنا عن افتتاح السنة الدراسية الجديدة، وبعد فترة لم تكن سهلة مرّت على الجميع وبالأخصّ على الأهل والاطفال والطّلاب، كيف سيكون وقع اليوم الأول عليهم، ما هي الصعوبات والتخبّطات، للمزيد حول هذا الموضوع تحدّثنا مع رغدة برانسي وهي موجّهة مجموعات أهالي ومُرافقة عائلية.
تقول رغدة: "التخوّفات لدى الأهل بدأت قبل الدّخول لإطار المدرسة، أذكر منها الخوف من العودة لنظام معيّن وانضباط بعد فترة طويلة قضاها الأطفال في العطلة كُسرت فيها الكثير من الحدود مثل أوقات النوم، وأوقات تناول الطعام وتناول الحلويات وغيرها، هذه الحُريّة التي كانوا يتمتّعون بها ستقل بطبيعة الحال بسبب الالتزام بدوام مدرسي وبمواعيد يوميّة ثابتة.
وتابعت قائلة: "أمّا عن التخّوفات والتّحديات التي سيواجهها الأهل مع أطفالهم في بداية العام الدراسي، هي بالأساس تتمحور حول التّأقلم ضمن إطار جديد إن كان في الحضانة أو الروضة أو حتّى في الصفوف الأولى، هل سينخرط الطفل بشكل سريع في هذه البيئة الجديدة؟ هل سيبكي؟ هل سيشعر بالخوف أو الخجل أو بالاشتياق أو بالوحدة من البقاء دون شخص من عائلته أو حتّى عدم الارتياح أو التعبير عن مشاعره؟ جميع هذه الأسئلة والتخوفات تدور ببال الأهل وهذا أمر طبيعي جدًّا لكن على الأهل تداركه ومعرفة التّعامل معه بشكل صحي وسليم".
الانتقال للابتدائية
تقول رغدة برانسي: "الفترة السابقة كانت فيها الكثير من التحديات، لذلك سيكون افتتاح هذا العام الدّراسي مُركّبًا لجميع الأجيال، فبعد عام من التعليم عن بُعد قد يحتاج الاطفال وقتًا إضافيًّا للتّأقلم في هذا الإطار الجديد، أخصّ بالذّكر الأطفال المنتقلين إلى الصّف الأول، إذ أنّ هذا الطفل سيكتشف أنّه لن يلعب طوال الوقت كما كان في العام الماضي إنّما سيتعلم الكتابة والجلوس بشكل منضبط اكثر لمدّة 45 دقيقة في كل حصّة خلال دوام كامل يتلقّى فيه مواد تدريسية مختلفة، ونوع نظام جديد ومختلف عليه".
وأردفت برانسي قائلة: "تخوّفات إضافية لدى الأهل حول كيفية التّدريس وكم يتطّلب الأمر مجهودًا وقضاء ساعات لإتمام الواجبات المنزلية أو التحضير لاحقًا للامتحانات، هُنا أنصح الأهل بالتّحضير المُسبق ومواكبة الخطوات التدريسية أولًا بأوّل مع أطفالهم فالتغيير التّدريجي في النّظام هو الذي سيمكّن العائلة من العودة إلى النمط الانضباطي بسلاسة أكبر ودون أي ضغوطات".
على الأهل أن يتحضّروا جيّدًا لليوم الأوّل من العام الدراسي، وأن يضعوا خطّة بديلة لبعض الأمور مثل: من الذي سيصطحب الطفل للمدرسة ومن سيعيده منها؟ يجب إخبار الطفل بهذه التفاصيل وإبلاغه أنّه بحالة وقع أمر طارئ فإنّ هُناك من سيصطحبه بدلًا من الوالد أو الوالدة اليوم وهكذا، هذا أمر ضروري كي لا يشعر الطفل بأنّه خُدع، أو وعده والديه بإعادته إلى المنزل من المدرسة وأتى شخص آخر. تحدّثوا مع أطفالكم وأخبروهم بكل المعلومات المتعلقة بهم. على الأهل أن يكونوا أكثر احتواءً لأطفالهم وأن يتعاملوا معهم بشفافية بالذّات بموضوع توديع الطفل قبيل دخوله إلى الصّف، وتهيئته نفسيا لهذه اللحظة، لا تهربوا منهم أو تكذبوا عليهم أخبروهم أنكم ستعودون بعد انتهاء الدوام مع الكثير من المحبة والاحتواء والاصغاء والتشجيع والدعم، ومن المهم أن تحضنوا أطفالكم، هذا الدّعم النفسي سيمنحهم ثقة كبيرة بأنفسهم وسيدخلون إلى الصف بطاقة إيجابية كبيرة".
المدرسة بيئة اجتماعية وليست تعليمية فقط
حول هذا الموضوع تقول رغدة: "لا بُد وأن يتأكّد الأهل من فكرة أنّ المدرسة ليس إطارًا تعليميًّا فحسب أو مكانًا لتحقيق التحصيل العلمي فقط، إنّما هي إطار اجتماعي يخلق ويبني من خلاله الطفل علاقات اجتماعية جديدة، الاهتمام بالجانب العاطفي للطفل من شأنه أن يُعزّز ثقة الطفل بنفسه بشكل كبير، وهنا يأتي دور الأهل في ذلك، فبالإضافة إلى السؤال عن قضاء الوقت في الصّف وعن المواد التي درسها من المهم أيضًا توجيه أسئلة للطفل تتعلّق بالجانب الاجتماعي مثل: هل تعرّفت على صديق جديد اليوم؟ هل وجدت زميلًا يلعب لوحده وشاركته اللعب؟ هل أراد زميل لك أن تُشاركه اللعب؟ وغيرها من الأسئلة التي تفتح مجالًا للحوار بين الطفل والأهل وتمنحه من الشعور بالراحة والحديث معهم بأي شيء، يُفضّل عدم تحديد الأسئلة كثيرًا لتفادي الردود القصيرة بنعم او لا عليها، اسعوا لأن تبنوا بيئة حوارية مع أطفالكم لتكونوا الملاذ الآمن لهم، ولا تضعوا لهم حدًّا بالحديث، اصغوا إليهم جيّدًا، بالذات بعد العودة من المدرسة، أشعروهم بأهمية أحاديثهم ولا تستهينوا بها أمامهم أبدًا حتّى لو كانت بالنسبة لكم أمورًا عابرة وغير مهمة، فبالنسبة لهم قد تكون الأهم.
التحضير لليوم الأول في المنزل
تقول برانسي: "المُشاركة هي العنوان، يجب أن يتشارك الأهل والأطفال المُشتريات الخاصة بالمدرسة من قرطاسية وغيرها، والوجبة التي يحب أن يأخذها معه وَفقًا لميزانية الأهل المُتاحة، وكذلك تحضير الحقيبة المدرسية، هذا الأمر يُسهّل على الطفل كثيرًا ويُشعره داخل صفه بارتياح وثقة أكبر لأنّ أغراضه معه ولا ينقصه أي شيء، بالإضافة إلى ذلك سيمنح الطفل شعورًا بالمسؤولية تجاه أغراضه الخاصة".
فرحة الأهالي بعودة أطفالهم للمدارس
حول هذا الموضوع أشارت رغدة برانسي إلى أنّه: "العام الذي مرّ حمل معه الكثير من التّعب والإرهاق للأهل على مستويات عديدة منها الاقتصادية والاجتماعية والمشاعرية والحسّية، ولكن رغم كل هذه الضغوطات يجب على الأهل عدم إظهار الفرح "المُبالغ به" لخروجهم من المنزل بقدر الفرح للخطوة الجديدة لأطفالهم، يجب عدم إشعارهم أنّ الراحة ستبدأ الآن بعد خروجهم من المنزل للمدرسة، وكأنّ وجودهم يشكّل عبئًا على الأهل، وهنا من المهم التشديد على فكرة أنّ الأهل هم البالغ المُستقل في العلاقة مع أطفالهم وهم الذين يستطيعون التّحكم بشكل أكبر بمشاعرهم وبكيفيّة تمريرها للاطفال، لأنّ الأطفال يعبّرون بعفوية أكثر ولا يعرفون كيف يديرون مشاعرهم مثل البالغين، لذلك علينا كبالغين دعم أطفالنا وألا نتوقّع أن يدعموا أنفسهم بأنفسهم. فأظهروا محبّتكم واحتواءكم لهم، وعبّروا لهم عن مشاعركم تجاههم، وقبل أن تُشعروهم بفرحة "عدم وجودهم داخل المنزل" فكّروا بذات الشّعور إذا واجهه طفلكم من شخص غريب، لا أحد يُحب أن يشعر طفله أنه غير مرغوب أو غير محبوب في أي إطار، فماذا لو كان هذا الإطار هو المنزل؟ هذه المشاعر سترافق أطفالكم فحاولوا قدر الإمكان إغلاق دائرة الأمان داخل المنزل ليكون الطفل مُستعدًا لكُل ما هو خارجه بكل ثقة".
ماذا لو عاد التعليم عن بعد؟
فترة بداية الكورونا كانت فترة التجارب والاختبار، اليوم وبعد مرور عام ونصف أصبحنا نعرف جيّدًا ما الجيد وما السيئ ويمكننا سبر غور غالبية النواقص التي كانت في البداية، على الأهل أن يكونوا أكثر مرونة بخصوص هذا الموضوع وأن يتحدّثوا مع أطفالهم حول فكرة إمكانية العودة للتعليم عن بُعد، اليوم نستطيع أن نقول أننا مستعدّون أكثر لكافّة القرارات بعد أن خضنا التجربة الاولى.
رسالة أخيرة..
أنصح الأهالي بزيارة الأماكن التي يتعلّم فيها الأطفال، وأن يتواصلوا بشكل مسبق مع الطاقم والهيئة التدريسية، وتحضير الأغراض، ولفت النّظر للغرض الآمن الذي قد يُحضره الطفل معه إلى المدرسة، على سبيل المثال ابنتي رسمت رسمة وستأخذها معها إلى صفّها، أبلغت المعلمة بذلك واتّفقنا أن تريها خلال الدوام لزملائها، الغرض الآمن مهم جدًّا أن يتواجد مع الطفل إذا كان بحاجة له وقد يكون دُمية أو بطانية أو رسمة أو صورة عائلية، لا تستهينوا بهذا الغرض فالطفل يشعر بالأمان وهو معه وهنا نحن نتحدّث عن الاطفال بالحضانات والروضات.
كذلك نصيحتي للأهالي الاستيقاظ والذهاب إلى المدرسة باكرًا بتأنٍّ ودون استعجال، هذا الأمر سيمنح راحة نفسية لجميع الأطراف، ويمنح فرصة للحديث مع الطفل وتهيئته قبيل الدخول إلى الصف أو ربّما لالتقاط صورة للذّكرى، الاستعجال والتأخر قد يمنع الأهالي من هذه التفاصيل المهمة والتي تُشكّل فارقًا في بداية يومه في المدرسة. وأكرّر أهميّة أن يصغي الأهل لأطفالهم ولتخوّفاتهم قبل الدخول للمدرسة وألا نضع أمامهم الكثير من التوقعات التي قد لا تحدث.
وأنصح الأهل بتزويد الطفل بكل الأغراض التي قد يحتاجها في يومه الدراسي، بالإضافة إلى توجيهه بشكل مٌسبق إلى الجهة التي عليه أن يتوجّه إليها بحالة أضاع أمرًا ما أو شعر أنّه بحاجة لشيء ما، كُل ذلك يوفّر للطفل بيئة آمنة ويمنحه آليات لملاءمة نفسه مع المحيط والتعامل بحسبها بكُل ثقة.
وفي النهاية أتمنّى للأهل سنة مليئة بالتفاؤل وتخطّي العقبات أيًّا كانت ولجميع الطلاب من كافّة الاعمار سنة مليئة بالفائدة والمعلومات والعلاقات والخبرات الجديدة.