ما جرى في أفغانستان يعيد إلى الأذهان ما حدث في فيتنام. فقد أصبحت سايغون الفيتنامية وكابول الأفغانية مثالاً يضرب بهما على هروب المحتل الأمريكي (وهذا هو مصير المحتلين) وإن كانت هناك فروقات قليلة في كيفية الهروب. النسخة الجديدة للهزيمة الأمريكية المفاجئة من أفغانستان تحمل في طياتها دليلاً على فشل تقديرات المخابرات الأمريكية للوضع في أفغانستان والاستهانة بقوة الشعب المدافع عن وطنه
على أي حال توجد حقيقة واضحة نجمت عن الوضع أفغانستان، وهي هروب المحتل الأمريكي بصورة مذلة على أيدي الشعب الأفغاني صاحب القرار في مصير بلاده. لقد ظن العملاء الأفغان وكل المتعاونين مع الجيش الأمريكي أن القوات الأمريكية الغازية تستطيع حمايتهم. ولقد أثبت الاحتلال الأمريكي لأفغانستان خلال العشرين سنة الماضية عجز الأمريكيين عن الحماية بدليل هروبهم من أفغانستان وترك عملائهم.
قبل أيام من سقوط العاصمة الأفغانية سُئل الرئبيس الأمريكي بايدن: “هل بات استيلاء طالبان على أفغانستان أمرا حتميا”؟ فقال، “لا ليس كذلك، لأن القوات الأفغانية تقدر بـ300 ألف جندي مجهز بالكامل بقدر تجهيز أي جيش في العالم، ووجود حوالي 75 ألفا من عناصر طالبان لا يجعل الأمر حتميا، لن يحدث ذلك تحت أي ظرف أن نجلي مواطنين من على سطح السفارة الأميركية هناك”. بايدن كان مخطئاً وتقديره لم يكن في محله، لأن طالبان جعلت الأمر حتمياً بالفعل رغم أنف بايدن وإدارته.فقد تم نقل السفارة الأميركية إلى مطار كابول، بعد إتلاف أجهزة وملفات تقدر أثمانها بمئات الملايين من الدولارات.
وبالرغم من الهزيمة المذلة للأمريكين إلا أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قال في حديث مع قناة “سي.أن.أن” الأمريكية، “إن الهدف الرئيس من تدخل الولايات المتحدة في أفغانستان قبل عشرين عاما كان ملاحقة مدبري هجمات 11 سبتمبر، وقد نجحت في تحقيق هذا الهدف”. وهل يوجد كذب أكبر من ذلك؟ فهل ملاحقة مطلوبين يتطلب عشرون عاماً؟ ما هذا الهراء يا مستر بلنكن؟
الملاحظ أن قيادة حركة طالبان الجديدة ستتبع سياسة مفتوحة على العالم بشرط احترام الخصوصية الأفغانية، وقد ظهر من المؤتمر الصحفي الذي عقده المنحدث باسم الحركة بعد هزيمة الجيش الأمريكي، أن طالبان تركز على ثلاث نقاط في نهجها القادم، وهذا ما أفهمه المتحدث للأمريكين الهاربين والعالم: أولى هذه النقاط، العفو العام عن كل خصوم الحركة، والنقطة الثانية احترام الحريات ولا سيما حرية الاعلام، أما النقطة الثالثة فهي وضع نظام إسلامي شامل في أفغانستان.
في النقطة الأولى قالتها الحركة بوضوح انها لا تريد أعداءً لها بعد اليوم في أفغانستان ولذلك أقدمت على العفو العام وأكدت على انتهاء العداء في المجتمع الأفغاني وأنها ليس لديها عداءً مع أحد. وفي النقطة الثانية بشأن وسائل الإعلام وحرية التعبير، فقد بدا واضحا أن الحركة تؤمن بحرية الإعلام، ولكنها لا تريد أن تكون وسائل الإعلام أداة لتنفيذ أجندات أجنبية، إلى جانب احترام التقاليد والأعراف الأفغانية. أما في النقطة الثالثة، فقد ركز المتحدث على أن الدين الإسلامي هو خط أحمر في المجتمع الأفغاني، وعلى الجميع احترام العقيدة الإسلامية، وإن طالبان ستعطي المرأة جميع حقوقها في العمل والتعليم والصحة وغيرها، وسيكون ذلك في إطار الشريعة الإسلامية،
على أي حال علينا الانتظار لنرى ما ستؤول إليه التطورات في أفغانستان، لأنه يتبين من المؤتمر الصخفي الذي عقدته طالبان أنها ستسير على نهج جديد في التعامل مع العالم. ولا نستطيع الحكم عليها مسبقاً إنما لاحقاً. حتى أن متحدثاً باسم الأمم المتحدة، قال “سنحتاج إلى معرفة ما سيحدث فعلاً، وسنحتاج إلى رؤية أفعال على الأرض بشأن تنفيذ الوعود”.
لكن الشيء الواضح أن الشعب الأفغاني بأسلحته البدائية، وبعد عشرين عاماً من النضال الجاد ضد الاحتلال أخرج الأمريكان بطريقة مذلة من بلاده ومعها قوات من حلف الناتو (بريطانية وفرنسية وغيرها) التي كانت تتسابق في الهروب من ساحة المعركة.
الإستقلال وتقرير المصير حق شرعي للشعوب، والاحتلال (كل احتلال) مصيره الزوال مهما طال بوجود شعب صامد.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com