المكتبة الخالدية في القدس 1901 صرح ثقافي يشهد على تاريخ وهوية المكان والسكان
تعتبر المكتبات العامة المنظمة الغنية بمحتوياتها الدعائم الاساسية التي تشاد عليها صروح العلم والثقافة والحضارة والمعرفة والينابيع التي تغذي تقدم الامم العلمي والحضاري بماء الحياة والبقاء ، ويقاس رقي امة من الامم او تأخرها بكثرة المكتبات وما تلقاه من عناية ورعاية او ندرتها او اهمالها واعتبارها شيئا ذا اهمية ، فبوجودها في حاضرة الامم فإنها حتما تفتح فإنها فتحت افاقاً فسيحة للشعوب لتنتج حضارتها وتنميها عبر العصور، وتكون فاتحة هائلة لتبصير الشعوب على حياة اكثرا رقيا وانفتاحا ، فالمخطوطات والمجلدات التي تملا رفوفها تكون بمثابة حفظ ذاكرة الامة وتراثها ونقله الى الاجيال القادمة ، ومع اشراقة شمس الحضارة الاسلامية العربية في فلسطين ظهرت مكتبات يشهد لها التاريخ ، ويسرنا في هذه المقالة ان نقدم لكم احد ابرز المكاتب العامة التاريخية في فلسطين وهي المكتبة الخالدية
والتي تقع في قلب البلدة القديمة لمدينة القدس العربية ، على مسافة مئة متر من المسجد الاقصى المبارك في الناحية الجنوبية من طريق باب السلسلة ، وتطل على حائط البراق و شرقي عقبة ابي المؤدية الى حي المغاربة السابق ، هناك تقف تحفة عمرانية هندسية اثرية تعود للقرن الثالث عشر الميلادي، فحجارته ومنذ ثمانية قرون تجسد خير شاهدا على تاريخ المكان الذي احتضن حضارات تليدة ابتدأت بالحقبة الاموية ، مرورا بالمملوكية فالعثماني وانتهاء بزمن الانتداب البريطاني
فالمبنى يدمج بين الاقواس المسودة والاقواس المتعرجة ، التي تميز العمارة الصليبية والعمارة الايوبية ، وما زاد المبنى جمالا هو مشاركة الفن المعماري المملوكي والذي يعرف بالنموذج الابلق ، وهو دمج حجارة حمراء وبيضاء في اطارات الابواب والشبابيك محاطة باطر منحنية
تأسست المكتبة الخالدية في العام 1899 على يد راغب الخالدي ، وذلك عندما لاحظ ان الكتب والمخطوطات المهمة تتفرق بين بيوت العائلة ، ويتم توارثها ، فقرر جمعها تحت سقف واحد يحميها ،
تحتوي المكتبة على ثلاثة عناصر مهمة داخلها ، حيث تحتوي على اكثر من 2000 مخطوط غير متواجدة في العالم ككل ، والمخطوطات فيها تمتد من القرن العاشر الميلادي وحتى نهاية الحقبة العثمانية 1917 , بلغات متنوعة منها العربية واللغة التركية ، واللغة العثمانية ، واللغة الفارسية والانجليزية والالمانية والفرنسية
تتوزع على ما مجموعة 1970 موضوعا دراسيا تتعلق بالفقه الاسلامي والطب والتاريخ والجغرافيا والفلك وتفسير القران والبلاغة والمنطق والشعر
وتعود اقدم مخطوطة في المكتبة للقرن العاشر الميلادي وعنوانها ( اشارات الاسرار في الفقه الحنفي ) لمؤلفها عبد الرحمن بن محمد بن امير الكرماني ونسخت عام 1137 م بخط الناسخ محمد بن ابي سعيد بن موسى وعدد اوراق المخطوطة 342 ورقة
وكتاب ( كتاب منادح الممادح وروضة الماثر و المفاخر في خصائص الملك الناصر رحمه الله ) وتضم سجلا لبطولات صلاح الدين الايوبي وتاريخه المجيد ويعود هذا الكتاب الى سنة 1201 م
ومثلها كمثل اي معلم عربي فلسطيني في مدينة القدس منذ نكسة 1967 فإنها تخوض مع الحكومات المؤسسة الاسرائيلية صراع من البقاء والابقاء على التاريخ والنور والفكر
اذ بدأت عندما ادعت المحكمة الصهيونية العامة ان الارض المقامة عليها المكتبة ، هي من املاك الغائبين ، وحينما تم عرض الوثائق والحجج المطلوبة لم تتمكن المؤسسة الاسرائيلية من وضع يدها على المكان
اجمالاً يمكن التلخيص ان هذا الصرح الثقافي التربوي والذي يقف شامخا واثقا ثلبتا في مدينة القدس فحجارته تحاكي وتكتب وتوثق تاريخ المكان والسكان